إيمان " معاوية بن أبي سفيان " - رضي الله عنه - ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك؛ كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة مثل أخيه " يزيد " بن أبي سفيان ومثل سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام. وأبي أسد بن أبي العاص بن أمية وأمثال هؤلاء. فإن هؤلاء يسمون " الطلقاء ": فإنهم آمنوا عام فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قهرا وأطلقهم ومن عليهم وأعطاهم وتألفهم وقد روي: أن معاوية بن أبي سفيان أسلم قبل ذلك وهاجر كما أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي - قبل فتح مكة - وهاجروا إلى المدينة فإن كان هذا صحيحا فهذا من المهاجرين.
وأما إسلامه عام الفتح مع من ذكر فمتفق عليه بين العلماء؛ سواء كان أسلم قبل ذلك أو لم يكن إسلامه إلا عام فتح مكة؛ ولكن بعض الكذابين زعم: أنه عير أباه بإسلامه وهذا كذب بالاتفاق من أهل العلم بالحديث. وكان هؤلاء المذكورون من أحسن الناس إسلاما وأحمدهم سيرة: لم يتهموا بسوء ولم يتهمهم أحد من أهل العلم بنفاق كما اتهم غيرهم؛ بل ظهر منهم من حسن الإسلام وطاعة الله ورسوله وحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وحفظ حدود الله: ما دل على حسن إيمانهم الباطن وحسن إسلامهم ومنهم من أمره النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله نائبا له كما استعمل عتاب بن أسيد أميرا على مكة نائبا عنه وكان من خيار المسلمين كان يقول: يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحدا منكم قد تخلف عن الصلاة إلا ضربت عنقه. وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم " أبا سفيان " بن حرب - أبا معاوية - على نجران نائبا له وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان عامله على نجران. وكان معاوية أحسن إسلاما من أبيه باتفاق أهل العلم كما أن أخاه " يزيد بن أبي سفيان " كان أفضل منه ومن أبيه؛ ولهذا استعمله أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال النصارى حين فتح الشام وكان هو أحد الأمراء الذين استعملهم أبو بكر الصديق ووصاه بوصية معروفة نقلها أهل العلم واعتمدوا عليها وذكرها مالك في الموطأ وغيره ومشى أبو بكر رضي الله عنه في ركابه مشيعا له فقال له: يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال: لست بنازل ولست براكب أحتسب خطاي هذه في سبيل الله عز وجل. وكان عمرو بن العاص أحد الأمراء وأبو عبيدة بن الجراح أيضا وقدم عليهم خالد بن الوليد لشجاعته ومنفعته في الجهاد. فلما توفي أبو بكر ولى عمر بن الخطاب أبا عبيدة أميرا على الجميع؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان شديدا في الله فولى أبا عبيدة لأنه كان لينا. وكان أبو بكر رضي الله عنه لينا وخالد شديدا على الكفار فولى اللين الشديد وولى الشديد اللين؛ ليعتدل الأمر وكلاهما فعل ما هو أحب إلى الله تعالى في حقه فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق وكان شديدا على الكفار والمنافقين ونعته الله تعالى بأكمل الشرائع كما قال الله تعالى في نعت أمته: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} وقال فيهم: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} .
ج4ص455
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق