السبت، 15 أكتوبر 2016

المنتخب من مجموع الفتاوي لابن تيمية 20

: الاختلاف الثابت عن الصحابة؛ بل وعن أئمة التابعين في القرآن أكثره لا يخرج عن وجوه: -

أحدها أن يعبر كل منهم عن معنى الاسم بعبارة غير عبارة صاحبه فالمسمى واحد وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر مع أن كلاهما حق؛ بمنزلة تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى وتسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائه وتسمية القرآن العزيز بأسمائه فقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} . فإذا قيل: الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام فهي كلها أسماء لمسمى واحد سبحانه وتعالى وإن كان كل اسم يدل على نعت لله تعالى لا يدل عليه الاسم الآخر. ومثال " هذا التفسير " كلام العلماء في تفسير {الصراط المستقيم} فهذا يقول: هو الإسلام وهذا يقول هو القرآن أي اتباع القرآن وهذا يقول: السنة والجماعة وهذا يقول: طريق العبودية وهذا يقول: طاعة الله ورسوله. ومعلوم أن الصراط يوصف بهذه الصفات كلها ويسمى بهذه الأسماء كلها ولكن كل واحد منهم دل المخاطب على النعت الذي به يعرف الصراط وينتفع بمعرفة ذلك النعت.

الوجه الثاني أن يذكر كل منهم من تفسير " الاسم " بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب؛ لا على سبيل الحصر والإحاطة كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ " الخبز " فأرى رغيفا وقيل هذا هو فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه؛ لا إلى ذلك الرغيف خاصة. ومن هذا ما جاء عنهم في قوله تعالى {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} . فالقول الجامع أن " الظالم لنفسه " هو المفرط بترك مأمور أو فعل محظور و " المقتصد ": القائم بأداء الواجبات وترك المحرمات و " السابق بالخيرات ": بمنزلة المقرب الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض حتى يحبه الحق. ثم إن كلا منهم يذكر نوعا من هذا. فإذا قال القائل: " الظالم " المؤخر للصلاة عن وقتها و " المقتصد " المصلي لها في وقتها و " السابق " المصلي لها في أول وقتها حيث يكون التقديم أفضل. وقال آخر: " الظالم لنفسه " هو البخيل الذي لا يصل رحمه ولا يؤدي زكاة ماله و " المقتصد " القائم بما يجب عليه من الزكاة وصلة الرحم وقرى الضيف والإعطاء في النائبة و " السابق " الفاعل المستحب بعد الواجب كما فعل الصديق الأكبر حين جاء بماله كله؛ ولم يكن مع هذا يأخذ من أحد شيئا. وقال آخر: " الظالم لنفسه " الذي يصوم عن الطعام لا عن الآثام و " المقتصد " الذي يصوم عن الطعام والآثام و " السابق " الذي يصوم عن كل ما لا يقربه إلى الله تعالى - وأمثال ذلك - لم تكن هذه الأقوال متنافية بل كل ذكر نوعا مما تناولته الآية.

الوجه الثالث: أن يذكر أحدهم لنزول الآية " سببا " ويذكر الآخر " سببا " آخر - لا ينافي الأول - ومن الممكن نزولها لأجل السببين جميعا أو نزولها مرتين: مرة لهذا ومرة لهذا. وأما ما صح عن السلف أنهم: اختلفوا فيه " اختلاف تناقض " فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يختلفوا فيه كما أن تنازعهم في بعض مسائل السنة - كبعض مسائل الصلاة والزكاة والصيام والحج والفرائض والطلاق ونحو ذلك - لا يمنع أن يكون أصل هذه السنن مأخوذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجملها منقولة عنه بالتواتر. وقد تبين أن الله تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة؛ وأمر أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن (من آيات الله والحكمة) .
وقد قال غير واحد من السلف: إن " الحكمة " هي السنة؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم {ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه} . فما ثبت عنه من السنة فعلينا اتباعه؛ سواء قيل إنه في القرآن؛ ولم نفهمه نحن أو قيل ليس في القرآن؛ كما أن ما اتفق عليه السابقون الأولون والذين اتبعوهم بإحسان؛ فعلينا أن نتبعهم فيه؛ سواء قيل إنه كان منصوصا في السنة ولم يبلغنا ذلك أو قيل إنه مما استنبطوه واستخرجوه باجتهادهم من الكتاب والسنة.

ج5ص163

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق