سئل شيخ الإسلام - رحمه الله -
عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله: فهذا حق. فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى: وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل؛ الذين أرسلهم الله إلى عباده. فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة. وأما المخالفون للرسل: فإنهم ملعونون وهم عن ربهم ضالون محجوبون. قال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وقال تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} {ونحشره يوم القيامة أعمى} . {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وقال تعالى عن أهل النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} {قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} وقال تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} وقال تعالى: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا} {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما} {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} . ومثل هذا في القرآن كثير. وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين؛ واليهود؛ والنصارى؛ فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده وهم الرسل الذين بلغوا عن الله أمره وخبره. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل. والسور التي أنزلها الله بمكة مثل: الأنعام؛ والأعراف؛ وذوات: (الر) و (حم) و (طس) ونحو ذلك؛ هي متضمنة لأصول الدين كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر. وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل وكيف أهلكهم؛ ونصر رسله والذين آمنوا. قال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} {إنهم لهم المنصورون} {وإن جندنا لهم الغالبون} . وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} . فهذه الوسائط: تطاع وتتبع ويقتدى بها. كما قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} وقال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وقال: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} .
وإن أراد بالواسطة: أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل: أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم؛ يسألونه ذلك ويرجون إليه فيه: فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين؛ حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء؛ يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار.
ج1ص123
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق